الاثنين، 6 يونيو 2016

"محمود عبد الواحد" رحلة الأدب من القصة إلى السينما

ولد الأستاذ "محمود عبد الواحد" ضمن أسرة عمالية فلاحية فقيرة في جو لا يخدم اهتمامه، إلا أنه بدأ كطفل في استكشاف الحياة عبر قراءة لقصص ومجلات الأطفال.
«أحياناً يكون مسار حياتك كلها متوقفاً على بضعة أشخاص تعرفت عليهم». هكذا بدأ الأستاذ "محمود" حديثه عن مسيرة حياته حين التقته مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 18 تشرين الثاني 2013 لتضيء على تجربته الفنية مختلفة المعالم، فمن كتابة السيناريو إلى المقالات الصحفية إلى السينما، رحلة حدثنا عن بداياتها قائلاً: «كنت أستعير مجلات الأطفال مثل: "ميكي" و"سمير" من خالي الذي يكبرني بسنتين أو أستأجرها بخمسة قروش وأقرأها أمام البائع، وحين يتعذر ذلك أجد نفسي مضطراً لشرائها بخمسة وثلاثين قرشاً، فقد كنت مجبراً آنذاك أن أذهب من حي "القابون" حيث أقطن إلى منطقة "المرجة" التي كانت تعتبر مركز 
تكبير الصورة
المدينة لأن هذا الحي الذي نشأت فيه لم يكن يحوي أي مكتبة أو مركز لبيع الصحف والمجلات، ثم في مرحلة لاحقة اكتشفت مكتبتين هامتين وهما: مكتبة المركز الثقافي العربي في منطقة "أبو رمانة" والمكتبة "الظاهرية" في آخر سوق "الحميدية"، وهناك بدأت مشواراً طويلاً من القراءة التي أسست لكل ما أتى بعدها».

وتابع: «أثناء دراستي الثانوية بدأت مراسلة بعض المجلات وأبرزها مجلة "الأسبوع العربي" التي كانت تنشر لي في باب بريد القراء ما أرسله من خواطر، آنذاك أتممت دراستي الثانوية وأصبحت طالباً في كلية العلوم الطبيعية التي لم أبق فيها سوى ستة أشهر قبل أن أنتقل إلى كلية الآداب، قسم اللغة العربية حيث لم أمض أيضاً أكثر من سنة دراسية واحدة، ثم التحقت بخدمة العلم من عام /1973/ إلى /1976/ وبعدها بدأت فعلياً كتابة القصة القصيرة ونشرها في مجلات متفرقة أبرزها: "جيل الثورة"، "جيش الشعب" و"الشبيبة" إلى أن انتقلت إلى النشر في المجلات السورية الكبرى في ذلك العصر وهي: "المعرفة، الموقف الأدبي" ولاحقاً "ملحق الثورة الثقافي"، لكنني لا أعتبر ذلك عملاً صحفياً فأنا كنت أنشر مقالات وزوايا أدبية في بعض الصحف والمجلات ليس إلا».

وعن بداية تعلقه الجدي بالسينما قال: «بدأت هذه الرحلة عبر النادي السينمائي في "دمشق"، التي كان يقيمها في صالة "الكندي" ثم في صالته المستقلة في "بيت المنتدى الاجتماعي" في "الطلياني"، وقد أثرت تلك الأفلام التي شاهدتها حينذاك تأثيراً جماً في بنيتي الفكرية والنفسية، حينها حصلت على بعثة لدراسة الأدب الروسي الذي كنت مولعاً بأعلامه: "دوستويفسكي، تولستوي وغوغول"، إلا أن الجامعة لم تكن تهتم بالأدب بقدر اهتمامها بدراسة علوم اللغة، هذه العلوم ذاتها التي جعلتني أهرب من كلية الأدب العربي، فنصحني الصديق والناقد السينمائي الراحل "سعيد مراد" بدراسة السيناريو واصفاً إياه بأنه "يقف على تخوم الأدب الذي أطلبه والسينما التي أحب"، فكان ذلك بالفعل وتخرجت في كلية السيناريو عام /1983/».

أما عن نتاجه 
تكبير الصورة
الدكتور "نضال الصالح"
السينمائي فأكمل الأستاذ "محمود" في ذات السياق: «أنتج معهد السيناريو أربعة أفلام روائية قصيرة عن سيناريوهات لي أثناء دراستي فيه، بعد ذلك وفي عام /1988/ كتبت قصة وسيناريو الفيلم التلفزيوني "الأسطوانة"، ثم في عام /1991/ كتبت سيناريو المسلسل التلفزيوني "سكان الريح" إضافة إلى سيناريو وحوار لعدة أفلام تلفزيونية مكرَّسة للحديث عن شخصيات مؤثرة في العالم العربي منها: "ابن خلدون، ابن النفيس، ابن قدامة" وغيرها. 

في عام /2007/ كتبت سيناريو الفيلم السينمائي "دمشق يا بسمة الحزن" عن رواية لـ "ألفة الأدلبي".

ثم سخرت الكتابة في خدمة السينما فأصدرت لي المؤسسة العامة للسينما ضمن سلسلة "الفن السابع" كتابين: "عالم لويس بونويل" عام /2001/ و"مسيرة مهرجان دمشق السينمائي" عام /2005/».

تجدر الإشارة إلى أن الأستاذ "محمود" عمل مستشاراً درامياً للعديد من الأفلام منها: "ليالي ابن آوى" عام /1989/، "اللجاة" عام /1993/، "تراب الغرباء" عام /1998/ و"نسيم الروح" عام /1998/ وغيرها. وهو يدير عمل المكتب الصحفي لمهرجان "دمشق" السينمائي منذ العام /1995/، وهو منذ ذلك الحين عضو دائم في اللجنة التنظيمية العليا للمهرجان.

وهو أحد محرري مادة السينما في الموسوعة العربية الكبرى التي تصدر في "سورية"، وله مساهمات نقدية في الصحافة المحلية والعربية وقد تقلد عدة مهمات إدارية في المؤسسة العامة للسينما.

وكان المدير العام للهيئة العامة للكتاب لمدة أربعة أعوام /2008-2012/، وله مجموعتان قصصيتان صادرتان عن وزارة الثقافة هما: "الضيف" عام /1978/ و"الولد اللاهي" عام /1992/، ومجموعة شعرية بعنوان "أتفرج على الكوكب" عام /2000/، كما صدرت له عن وزارة الثقافة أيضاً مجموعة قصص مترجمة عن الروسية بعنوان "إيفان بونين، قصص مختارة" عام /1987/.

وللإضاءة بشكل أكبر على مسيرة الأستاذ "محمود" وانعكاسها في مرآة النقد التقينا الدكتور "نضال الصالح" أستاذ النقد الأدبي الحديث في كلية الآداب بجامعة "حلب" فأضاف: «لا تكتسب تجربة "محمود عبد الواحد" القصصية أهميتها في تجربة القص السورية من انحياز نصوصها إلى قيم الحقّ والخير 
تكبير الصورة
الكاتب "حسن م يوسف"
والجمال فحسب، بل أيضاً من كفاءة مبدعها العالية في بناء نص قصصي متمرد على تقاليد الكتابة القصصية من جهة، وخالص من لوثة استدعاء منجز الآخر غير العربي إلى معمار القصّ، التي طبعت معظم تجربة السبعينيات من جهة ثانية. لقد قدم "محمود عبد الواحد" في مجموعتيه القصصيتين إبداعاً دالاً على أنّ القيمة الباذخة للإبداع ليست بتواتره على مستوى الكمّ، بل بحفره عميقاً في ذاكرة المتلقّي، وعلى أثره في الوعي أيضاً. ومهما يكن من أمر فإن الإبداع القصصي السوري خسر برحيل "عبد الواحد"، إلى أجناس تأليفية أخرى، أحد أبرز قصاصي السبعينيات، فإنّ مجموعتيه كافيتان للقول: إنّ أيّ محاولة لتأريخ ذلك الإبداع ونقده لا يمكنها مغادرة نفسها قبل أن يكون لذلك الإبداع حضور مركزيّ فيها».

كما كان لنا لقاء مع الكاتب "حسن م يوسف" الذي قال: «في أواسط الثمانينيات عاد "محمود عبد الواحد" الى مدينته "دمشق" بعد أن درس السيناريو في معهد "فغيك" الروسي، ونظراً إلى أنه كاتب قصة موهوب ومتمكن فقد انتظر الوسط الثقافي منه أن يحدث خرقاً نوعياً في مجال كتابة السيناريو السينمائي والتلفزيوني، وقد كان أول مسلسل تلفزيوني يكتبه، "سكان الريح" يبشر بروح جديدة في الكتابة الدرامية السورية، إلا أن ضعف الإخراج وبؤس ظروف الإنتاج سرقا جذوة الألق من النص فمر المسلسل دون أن يحدث الضجة التي كان يستحقها، وقد جعلت هذه الصدمة القاسية "محمود عبد الواحد" ينكمش ويتجه إلى العمل الإداري والصحفي لفترة طويلة نسبياً، صحيح أن "محمود عبد الواحد" قد كتب سيناريوهات العديد من الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة، إلا أن الظروف لم تسمح له في أي من أعماله الدرامية أن يصل إلى مستوى الألق المدهش الذي حققه في كتابة القصة القصيرة، "محمود عبد الواحد" إنسان مبدع وصديق فذ، يتميز في كل ما يكتب ويقول ويفعل بالأصالة والتميز والصدق».

بقي أن نذكر أن الأستاذ "محمود" من مواليد مدينة "دمشق" عام /1952/، متزوج من الدكتورة 
تكبير الصورة
مع "نور الشريف" في لجنة تحكيم مهرجان "دمشق" السينمائي
"ريمة السيد حسن" وأب لابنة واحدة هي الدكتورة "لمى عبد الواحد".

الثلاثاء، 21 يوليو 2015

10 كُـتّـاب مُعاصرين يجب عليك متابعـة أعمـالهم

10 كُـتّـاب مُعاصرين يجب عليك متابعـة أعمـالهم

main


لكل عصر كتابه وأدبه، هذا الأمر لا يقلل أبداً من قيمة هؤلاء الذين تربينا وكبرنا وفتحنا عيوننا على أعمالهم التي لاتنسى.
لكننا مع التقدم في العمر، الخبرات، التعرف على العالم من وجهات نظر أخرى، نرغب دائماً في أديب يعرف جيداً كيف يخاطب أبناء جيله، كيف يحاكي مشاعرهم، يسليهم، يضحكهم أحياناً، ويبكيهم أحياناً أخرى،كيف يحذرهم من القادم، ويذكرهم بما مضى. لذا فوجب علينا اليوم متابعة الأدب االعصري الشاب، المبشر بالخير، والمتوقع له بالاستمرار والبقاء في معظمه، المتنوع بشكل مثير للإعجاب، والأهم، القريب جداً من أفكار هذا الجيل وأحلامه ورؤيته.

عز الدين شكري فشير

1
أديب مصري من مواليد دولة الكويت 22 أكتوبر 1966، وهو أستاذ زائر في قسم العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية،صدرت له ست روايات: “باب الخروج :رسالة علي المفعمة ببهجة غير متوقعة” ‏‏، “عناق عند جسر بروكلين ، “أبوعمر المصري” ، ‏”غرفة العناية المركزة” ، “أسفار ‏الفراعين” ، و”مقتل فخرالدين‏” ‏.‏
يتميز فشير بالنهايات المفتوحة دائماً، فهو في الغالب يستخدم حقه ككاتب في طرح الأسئلة دون أن يحاول إيجاد حلوللها، وفي روايته الأخيرة باب الخروج، يمكننا أن نعتبرها التوثيق الأقرب للثورةالمصرية، بظروفها غير المفهومة، المفعمة بالحيرة المستمرة إلى يومنا هذا.
 هذه الرواية تمثل كل هؤلاء الذين تحمسوا ثم فتروا، ومثلهم، تبقى هكذا دون نهاية واضحة، مع قراءة شديدة الصدق في داخل النفوس البشرية، وهو ذات الشيءالذي حدث في روايته الأكثر شهرة عناق عند جسر بروكلين والتي ترشحت للقائمة القصيرة لجائزة البوكر عام 2012، إن أحببت التعرف على عالم عز الدين شكري فشير، أرشح لك البدء بعناق عند جسر بروكلين، ثم مقتل فخر الدين يليها جزءها المكمل أبو عمر المصري، انتهاءً بباب الخروج.

سعود السنعوسي

2
كاتب وروائي كويتي من مواليد 1981، فاز عام 2013 بالجائزة العالمية للرواية العربية في دورتها السادسة عن روايته ساق البامبو ، أصدر روايته الأولى “سجين المرايا” عام 2010لتفوز بجائزة ليلى العثمان لإبداع الشباب في القصة والرواية، تعرضت روايته الثالثة والأخيرة “فئران أمي حصّة” لقرارات بمنعها من الكويت، بسبب موضوعها الشائك الذي يتناول الفتنة الطائفية بنظرة مستقبلية كابوسية.لكن هذا لم يمنع انتشارها الكبير والضخم في العالم العربي.
يملك سعود السنعوسي هذه النظرة التي حكينا عنها من قبل، فهو كشاب عربي يعيش أزماتنا الحالية، ومهموم بها مثله كمثلنا جميعاً، يطوّع حسّه الأدبي وموهبته العالية في تحريك الخيوط بعدة سيناريوهات تخيلية ربما تكون قادمة، في روايته الأولى سجين المرايا، يحكي الكاتب قصة حب رقيقة ومآسوية بطريقة أنيقة للغاية، شغفه بالتفاصيل يجعل منها مجرد بروفة أولية لما سوف يليها، وهذا بالفعل ما حدث في ساق البامبو التي وضع فيها السنعوسي روحه وقلبه، ليتناول قضية العمالة الأجنبية في الخليج العربي بشكل لم يحدث من قبل.
أزمة الهوية بين بلدين، أو حتى أزمة الهوية لأبناء البلد الواحد، العلاقات المتشابكة والطبقية العجيبة، لكن أجمل ما في الأمر أنه لا يعترف بالخير المطلق، أو الشر المطلق، شخصياته إنسانية جداً، وهو يعلم جيداً تأثير الضعف الإنساني على تصرفات الجميع، فلا تملك أن تكره جانب وتنحاز لآخر مثلما يحدث عادة في أي عمل فني او أدبي.
عالم السنعوسي يتشابك جداً، فمن الأفضل القراءة بترتيب الأقدمية، سجين المرايا، ثم ساق البامبو وانتهاء بفئران أمي حصّة، سوف تلاحظ مثلي أن أبطاله يبدون كما لو كانوا يعرفون بعضهم البعض، وكأن هناك لحظات معينة يمكن أن تكون قد تشابكت وتلاقت في زمن ما..
 بطل سجين المرايا قد يكون بشكل أو بآخر ابن شخصية من شخصيات فئران أمي حصّة، بطل ساق البامبو بالتأكيد التقى بالشباب من فئران أمي حصة خلال إقامته بالكويت، هذه الخيوط المتشابكة تذكرني بعالم غني آخر لفنان عظيم وهو المخرج محمد خان، والذي أعتقد بأنه يطابق سعود( أو أن سعود يطابقه) في عالم السينما من حيث التفاصيل الحميمية الإنسانية، والشعور الدائم بالخوف من الفقد الذي يسيطر على شخصياتهما.

أحمد السعداوي

3
روائي وشاعر وكاتب سيناريو عراقي من مواليد بغداد عام 1973.، صدر له العديد من المجموعات الشعرية مثل “عيد الأغنيات السيئة”، إلى جانب الروايات مثل: “البلد الجميل” التي فازت  بالجائزة الأولى للرواية العربية بدبي 2005، “إنه يحلم، أو يلعب، أو يموت”، وفرانكشتاين في بغداد” الفائزة بجائزة البوكر لعام 2013.
الشعر يترك أثراً دائماً في أدب السعداوي، إلى جانب همه العراقي مثل باقي أبناء موطنه، لا أحد سيخطر له مثل هذه الفكرة الرومانتيكية المرعبة، الدرامية الخيالية في فرانكشتاين في بغداد، سوى شاعر تتلبسه روح الأديب، يتخيل أحمد وحشاً تم صنعه من أشلاء القتلى في العراق، لتدب فيه الحياة تماماً مثل مسخ فرانكشتاين للأديبة ماري شيلي، ويبدأ في الانتقام من الجميع، من الجانب الشرير في البداية،إلى أن ينقلب السحر على الساحر ويتحول إلى كائن مدمر لكل ما يقابله بلا استثناء، بعد ترميمه بأشلاء مجهولة يتداخل فيها أجزاء من الفدائي، مع الوطني، مع المحتل والخائن.
الرواية رمزية بالطبع وهي حصيلة وضع غير معقول تعودنا عليه حالياً، وتعايشنا معه بشكل أو بآخر، قد يكون السعداوي قاصداً تحطيم صورة البطل كما نشكلها نحن بأيدينا في العالم العربي، نمجدها ونضخمها ونقدم لها القرابين حتى تتضح الصورة، فنكتشف أننا كنا في حقيقة الأمر ننصب بأيدينا طاغية جديداً أسوأ من أسوأ كوابيسنا.
لم أقرأ سوى فرانكشتاين في بغداد لكن البدء دوماً بالكتب الأقدم للكاتب ثم الوصول لذروة إبداعه هو الأفضل.

أحمد خيري العمري

4
باحث وأديب وكاتب عراقي من مواليد بغداد عام 1970م لأسرة موصلية الجذور، تخرَّج من كلية طب الأسنان – جامعة بغداد عام 1993، ليصدر كتابه الأول “البوصلة القرآنية” في عام 2003.
أصدر في الفترة بين 2003-2008 ستة كتب لاقت رواجاً كبيراً، وتنوعت بين البحث العلمي والرواية والرسالة الأدبية، بالإضافة إلى عشرات المقالات التي ينشرها في صحيفتي العرب القطرية والقدس العربي في لندن.
يدعو أحمد خيري العمري للتجديد بكل شكل، الأمر الذي يعرضه للهجوم الكبير فهو يصنف ككاتب ومؤرخ إسلامي بشكل أو بآخر، من ما كتب عنه سابقاً يعتمد العمري في استنباطاته للمفاهيم من القرآن على الجذر اللغوي للفعل، فهو يعود إلى جذر كل لفظ قرآني ويقوم بعملية مسح للاستخدام القرآني للفظ في كل المواضع ويخرج بنتائج مترابطة ضمن منظومة فكرية-قرآنية”
هذا الشرح يعطينا صورة واضحة لما يفعله العمري في قرّاءه ، الرجل يعرضهم لصدمة ضخمة حيال العديد من الأمور المُسلّم بها دينياً، ويدعوهم للتفكير من جديد في كل تفصيلة قد تبدو لا خلاف عليها، مثل روايته ألواح دوسر،والتي يستلهم فيها من قصة سيدنا نوح حدثاً أساسياً يراه متكرراً في كل زمان بشكل أو بآخر.
هذا النوع من الكتابة الذي يختلف عن المباشرة الفجة لمدعي التنمية البشرية هو الأكثر حميمية وقرباً من القاريء، فهو يمنحه بالفعل جزءاً تنمويا بشرياً – إن جاز لنا التعبير – على شكل رموز يمكن فهمها بمجهوده الخاص، والتوصل وحده إلى ما يريد حقاً معرفته.

عمر طاهر

5
كاتب وشاعر وسيناريست وصحفي مصري من مواليد سوهاج 23يوليو 1975، إصدرات عمر طاهر كثيرةومتنوعة، بدأ مشواره مع الشعر في عدة دواوين مثل” مشوار لحد الحيطة”  و”وضع محرج” و”لابد من خيانة”، بعدها لمع اسمه في الأدب الساخر بدءاً من ” شكلها باظت” الذي حقق نجاحاً ضخماً أستطيع أن أقول عنه بأنه كان نواة لاتجاه جديد من التعبير الساخر عن الأوضاع الواقعية في مصر.
 قد ترى تأثير أسلوب عمر طاهر في كتابة الشباب على الشبكات الإجتماعية، وفي رصدهم لأحداث وشخصيات من حولهم، لا أنسى كلمة د.أحمد خالد توفيق عنه لي عندما قال: “عمر طاهر لديه الكثير ليقوله”.
“عندى صحيح حاجات كتير
لكن ناقصنى حاجات أكتر
ناقصنى إني أقدر أطير
و أنا عارف أنى فى يوم هقدر”
يحكي عمر طاهر عنا، هو مراسلنا من قلب الحدث، مولانا كما يحب مريدوه أن ينادوه، إن كنت فاشلاً في التعبير عن نفسك فكل ما عليك هو قراءة شعر ومقالات وحكايات هذا الرجل، حتى في الكتابة الدينية في “آثر النبي” يقص عمر قصص الصحابة بمفهوم جديد حميمي بشكل لا يصدق، يجعلك تراهم بعينك كأشخاص حقيقيون وليسوا كائنات خرافية بعيدة كما تعودنا عليهم.
 يكتب عن الرياضة فتنحاز تلقائياً لناديه المفضل دون تعصب، يكتب عن الماضي فتتذكر تفاصيل كنت تحسب أنك وحدك الذي تتذكرها، هذا رجل غاص في كل بيت مصري، مائدة طعام مصرية، الأمسيات، السهرات، الأصدقاء، الأعداء، حتى إشارات المرور والتوهان في الشوارع، غزير الأفكار كأنه روبوت صمم للكتابة والحكيّ، وهو في الحقيقة من هؤلاءالذين يطلق عليهم “خفاف الروح” كناية عن اللطف والقبول.

تامر ابراهيم

6
واحد من القلائل الذين يمكن تصنيفهم كأديب رعب دون قلق، طبيب بشري كالعادة، بدأ بكتابة الرعب في سلسلة “سلة الروايات” ضمن إصدارات المؤسسة العربية الحديثة التي قدمت قبله عراب الجيل د.أحمد خالد توفيق في نفس هذه المنطقة الشائكة من الأدب، لكن حماس أحمد خالد توفيق لتامر كان دافعاً للكثيرين في متابعته بدايةً، قبل أن يثبت نفسه بشكل مذهل في إصداراته المتتالية، التي بلغت ذروتها في ثنائية “صانع الظلام”، و”الليلة الثالثة والعشرون”، والتي-برأيي-تنافس كتاب الرعب العالميين وعلى رأسهم ستيفن كنج نفسه.
يملك تامر إبراهيم خيالاً خصباً، وأفكاراً غير محدودة، ربما كان أفضل مافيها هو عدم تقيده بتلك التيمات المعروفة في أدب الرعب بالذات، مشكلة هذا النوع من الأدب  في عالمنا العربي أنه مقتصر على حكايات الجن والعفاريت والشياطين فقط، في حين تمتد التيمات الغربية بشكل موسع، مثير نعم، لكن إحكي لشاب عربي عن مذؤوب يعوي في هضبة المقطم أو زومبي يسير في شوارع الكويت أو الرياض وسوف يجن من السعادة، ربما ذهب لآخذ صورة سيلفي معه، هذه الأشياء-بالعربي-لا تخيفنا.
لذا واجه إبراهيم ذات التحدي الذي واجهه د.أحمد خالد، والذي هرب منه بذكاء في حبكاته بسفر أبطاله إلى الخارج أو مغامرات أخرى لقاصين أجانب، أما تامر،فأفكاره نبعت من خيالات جديدة يمكن أن تناسب المذاق العربي تماماً، قرأت ثنائيته في ليلة مظلمة وحدي ولم أنم بعدها يومين، إلى اليوم أتجنب النظر حتى إلى غلافها وأنا لا أصاب بالرعب بسهولة.
أرشح البدء بكتابات تامر إبراهيم الأولى مثل” حكايات الأميرة” و”حكايات بيتر بيشوب” ثم الانتقال إلى “الذي لم يمت”، و “حكايات الموتى” انتهاءً بثنائيته المظلمة.

حسن كمال

7
كاتب مصري اشتهر بالقصص القصيرة قبل تحوله إلى الرواية عام 2013 برواية”المرحوم”، تخرج من كلية الطب جامعة القاهرة 1999، قصصه القصيرة تأخذ هذا الطابع الإدريسي-كناية عن يوسف إدريس- في واقعيتها الفانتازية بشكل أو بآخر، وهو نفس الشيءالذي فعله في رواياته بعد ذلك، المرحوم والأسياد تباعاً.
كما في قصصه القصيرة، يسرد حسن أحداثاً واقعية تماماً، بحبكة غير واقعية بالمرة، ربما يمكن تفسيرها فيما بعد بالهلاوس أو المرض دون الوقوع في فخ الاقتناع بالخوارقيات، لكنك على طول قرائتك ستتمنى لو كان الأمر متعلقاً بالخوارقيات فعلاً، وإلا يكون الواقع بائساً إلى هذا الحد.
هذه التيمة التي اعتمدها يوسف إدريس بنجاح في قصصه القصيرة، قد تبدو ضيقة بعض الشيء في عالم الرواية، لكن حسن يحاول تطويرها بشكل أو بآخر، مثلما يفعل ماركيز بطريقة مختلفة، أو هوراكي موراكامي بطريقة ثالثة.
في روايته الأخيرة، الأسياد، يحاول حسن من جديد إضفاء الفانتازية على الواقع، مدينة دجا في جنوب مصر الذي لا يعرف عنها الكثيرين أي شيء، تتحول معه إلى عالم أسطوري، له قواعده وتاريخه وتراثه، حتى أنك تصدق فعلاً بأن هذه الحقيقة وليس خيال الكاتب !
الحقيقة أنه يلجأ للرمزية أيضاً، فدجا في نظره هي مجرد مسرح مصغر للعالم بأكمله، يطرح حسن كمال أفكاره الاجتماعية والسياسية وعقده النفسية-إن سمح لنا بالقول-عبر خيالاته الغريبة وعالمه المختلف.

أدهم العبودي

8
أديب مصري شاب من مدينة الأقصر، حاصل على عدة جوائز عربية.. صدر له “جلباب النبي” قصص، “باب العبد” رواية، “متاهة الأولياء” رواية.
لا أعرف الكثير من المعلومات حول أدهم العبودي، لكني أعرف روايته الجميلة” متاهة الأولياء” كما أعرف أن بهاء طاهر بنفسه وصفه بالموهبة الاستثنائية.
ما يميز أدهم العبودي هو اللغة المتمكنة الرشيقة، لن تمل أبداً وأنت تقفز بعينيك على الكلمات والوصف، يستحضر العبودي الجنوب المصري كما لم يفعل أحداً من قبل، إلى جانب هذه اللمسة الصوفية التي ترتبط بأهله، الأولياء هنا ليسوا الأولياءالصالحين كما نعرفهم، بل هم الأشخاص العاديون الهائمون في متاهاتهماليومية.
يقول عنه الكاتب أشرف الخمايسي:
 
“كنت قد تركت الحركة الأدبية لأسباب ذكرتها في مقالات عديدة، فلما عدتكانت الأقصر العظيمة حبلى به، وكنت أنا الذي لا أرى، إنه أدهم العبودي الذي أرجو أن يتمّ نوره”

بثينة العيسى

9
كاتبة كويتية من مواليد 3 سبتمبر 1982، حاصلة على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال، وهي عضو رابطة الأدباء الكويتية. صدر لها العديد من الروايات مثل “سعار”، “ارتطام”، “كبرت ونسيت أن أنسى” التي حصلت عنها على جائزة الدولة التشجيعية ، “خرائط التيه”.
تملك بثينة قلماً رشيقاً، تعبر به عن المرأة الكويتية والعربية بشكل دافيء يستحضر تلك التفاصيل البسيطة، الصغيرة، التي ربما لا تنتبه إليها حتى النساء. بلغة شعرية خجول، لكنها في ذات الوقت، جريئة جداً، تستعرض الظلم الواقع على المرأة الكويتية بلا قلق، تابو الدين والجنس والمجتمع الذي تتجنبه العديد من الكاتبات خوفاً، كسرته بثينة في روايتها “كبرت ونسيت أن أنسى” فكان طبيعياً أن تستجلب الكثيرمن الهجوم على رأسها.
أما في خرائط التيه، فتناولت عدة قضايا يمكن أنتشمل العالم كله، مثل الإتجار بالبشر والفساد وتأثير العولمة والتكنولوجيا والتواصل الاجتماعي، بشكل قاس وصادم، تعمدت حدوثه بكثرة التفاصيل، والتخلي عن لغتها الشعرية الرقيقة.
بثينة واحدة من أهم الكاتبات النساء الشابات في العالم العربي حالياً، وحتماً يجب متابعتها.

ربيع جابر

10
روائي لبناني من مواليد بيروت 1 يناير 1972، روايته الأولى “سيد العتمة” التي نشرها سنة 1992 وهو في العشرين من عمره فازت بجائزة الناقد للرواية . نشر سبع عشرة رواية ما بين 1992 و2009 أي بمعدل رواية واحدة كل عام.يملك شهادة في الفيزياء من الجامعة الأمريكية في بيروت. كما أنه محرر الملحق الفكري والأدبي الأسبوعي “آفاق” في جريدة “الحياة” الصادرة في لندن.
ربما يمكننا الخروج من كتابات ربيع جابر بمليون اقتباس، كلجملة هي الحقيقة تعبيراً جمالياً رائعاً، أفضل أنتبدأ قراءة ربيع جابر بكتابه “الاعترافات” يليه “طيور الهوليداي إن” ثم “دروز بلغراد” التي نال عنها جازة البوكر لعام 2012، ثم روايته “أمريكا”
يشبهه الكثيرون بنجيب محفوظ لبنان، فهو مثله غارق حتى النخاع في تراب وطنه، ومثله، يستطيع وصفه كما لم يفعل أحداً من قبل، مع ربيع جابر يتحول الحكي عن الحرب الاهلية اللبنانية إلى قصيدة شعرية دامعة، وما بين هذه التفاصيل الإنسانية، يوثق جابر روايته بأحداث حقيقية، وقصاصات جرائد، وحواشي كثيرة جداً، بشكل ربما يذكرنا قليلاً بطريقة صنع الله إبراهيم في رواياته.
أما أكثر مايميز ربيع جابر،فهو الشخصيات وحبكاتها، وخيوطتها المتداخلة بلاملل أو تشتت، ربما تكون الأحداث الفعلية قليلة، لكن سطوة اللغة تجذب القاريء كالدوامة، فلا يفيق إلا بعد الانتهاء منها.