الاثنين، 6 يونيو 2016

"محمود عبد الواحد" رحلة الأدب من القصة إلى السينما

ولد الأستاذ "محمود عبد الواحد" ضمن أسرة عمالية فلاحية فقيرة في جو لا يخدم اهتمامه، إلا أنه بدأ كطفل في استكشاف الحياة عبر قراءة لقصص ومجلات الأطفال.
«أحياناً يكون مسار حياتك كلها متوقفاً على بضعة أشخاص تعرفت عليهم». هكذا بدأ الأستاذ "محمود" حديثه عن مسيرة حياته حين التقته مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 18 تشرين الثاني 2013 لتضيء على تجربته الفنية مختلفة المعالم، فمن كتابة السيناريو إلى المقالات الصحفية إلى السينما، رحلة حدثنا عن بداياتها قائلاً: «كنت أستعير مجلات الأطفال مثل: "ميكي" و"سمير" من خالي الذي يكبرني بسنتين أو أستأجرها بخمسة قروش وأقرأها أمام البائع، وحين يتعذر ذلك أجد نفسي مضطراً لشرائها بخمسة وثلاثين قرشاً، فقد كنت مجبراً آنذاك أن أذهب من حي "القابون" حيث أقطن إلى منطقة "المرجة" التي كانت تعتبر مركز 
تكبير الصورة
المدينة لأن هذا الحي الذي نشأت فيه لم يكن يحوي أي مكتبة أو مركز لبيع الصحف والمجلات، ثم في مرحلة لاحقة اكتشفت مكتبتين هامتين وهما: مكتبة المركز الثقافي العربي في منطقة "أبو رمانة" والمكتبة "الظاهرية" في آخر سوق "الحميدية"، وهناك بدأت مشواراً طويلاً من القراءة التي أسست لكل ما أتى بعدها».

وتابع: «أثناء دراستي الثانوية بدأت مراسلة بعض المجلات وأبرزها مجلة "الأسبوع العربي" التي كانت تنشر لي في باب بريد القراء ما أرسله من خواطر، آنذاك أتممت دراستي الثانوية وأصبحت طالباً في كلية العلوم الطبيعية التي لم أبق فيها سوى ستة أشهر قبل أن أنتقل إلى كلية الآداب، قسم اللغة العربية حيث لم أمض أيضاً أكثر من سنة دراسية واحدة، ثم التحقت بخدمة العلم من عام /1973/ إلى /1976/ وبعدها بدأت فعلياً كتابة القصة القصيرة ونشرها في مجلات متفرقة أبرزها: "جيل الثورة"، "جيش الشعب" و"الشبيبة" إلى أن انتقلت إلى النشر في المجلات السورية الكبرى في ذلك العصر وهي: "المعرفة، الموقف الأدبي" ولاحقاً "ملحق الثورة الثقافي"، لكنني لا أعتبر ذلك عملاً صحفياً فأنا كنت أنشر مقالات وزوايا أدبية في بعض الصحف والمجلات ليس إلا».

وعن بداية تعلقه الجدي بالسينما قال: «بدأت هذه الرحلة عبر النادي السينمائي في "دمشق"، التي كان يقيمها في صالة "الكندي" ثم في صالته المستقلة في "بيت المنتدى الاجتماعي" في "الطلياني"، وقد أثرت تلك الأفلام التي شاهدتها حينذاك تأثيراً جماً في بنيتي الفكرية والنفسية، حينها حصلت على بعثة لدراسة الأدب الروسي الذي كنت مولعاً بأعلامه: "دوستويفسكي، تولستوي وغوغول"، إلا أن الجامعة لم تكن تهتم بالأدب بقدر اهتمامها بدراسة علوم اللغة، هذه العلوم ذاتها التي جعلتني أهرب من كلية الأدب العربي، فنصحني الصديق والناقد السينمائي الراحل "سعيد مراد" بدراسة السيناريو واصفاً إياه بأنه "يقف على تخوم الأدب الذي أطلبه والسينما التي أحب"، فكان ذلك بالفعل وتخرجت في كلية السيناريو عام /1983/».

أما عن نتاجه 
تكبير الصورة
الدكتور "نضال الصالح"
السينمائي فأكمل الأستاذ "محمود" في ذات السياق: «أنتج معهد السيناريو أربعة أفلام روائية قصيرة عن سيناريوهات لي أثناء دراستي فيه، بعد ذلك وفي عام /1988/ كتبت قصة وسيناريو الفيلم التلفزيوني "الأسطوانة"، ثم في عام /1991/ كتبت سيناريو المسلسل التلفزيوني "سكان الريح" إضافة إلى سيناريو وحوار لعدة أفلام تلفزيونية مكرَّسة للحديث عن شخصيات مؤثرة في العالم العربي منها: "ابن خلدون، ابن النفيس، ابن قدامة" وغيرها. 

في عام /2007/ كتبت سيناريو الفيلم السينمائي "دمشق يا بسمة الحزن" عن رواية لـ "ألفة الأدلبي".

ثم سخرت الكتابة في خدمة السينما فأصدرت لي المؤسسة العامة للسينما ضمن سلسلة "الفن السابع" كتابين: "عالم لويس بونويل" عام /2001/ و"مسيرة مهرجان دمشق السينمائي" عام /2005/».

تجدر الإشارة إلى أن الأستاذ "محمود" عمل مستشاراً درامياً للعديد من الأفلام منها: "ليالي ابن آوى" عام /1989/، "اللجاة" عام /1993/، "تراب الغرباء" عام /1998/ و"نسيم الروح" عام /1998/ وغيرها. وهو يدير عمل المكتب الصحفي لمهرجان "دمشق" السينمائي منذ العام /1995/، وهو منذ ذلك الحين عضو دائم في اللجنة التنظيمية العليا للمهرجان.

وهو أحد محرري مادة السينما في الموسوعة العربية الكبرى التي تصدر في "سورية"، وله مساهمات نقدية في الصحافة المحلية والعربية وقد تقلد عدة مهمات إدارية في المؤسسة العامة للسينما.

وكان المدير العام للهيئة العامة للكتاب لمدة أربعة أعوام /2008-2012/، وله مجموعتان قصصيتان صادرتان عن وزارة الثقافة هما: "الضيف" عام /1978/ و"الولد اللاهي" عام /1992/، ومجموعة شعرية بعنوان "أتفرج على الكوكب" عام /2000/، كما صدرت له عن وزارة الثقافة أيضاً مجموعة قصص مترجمة عن الروسية بعنوان "إيفان بونين، قصص مختارة" عام /1987/.

وللإضاءة بشكل أكبر على مسيرة الأستاذ "محمود" وانعكاسها في مرآة النقد التقينا الدكتور "نضال الصالح" أستاذ النقد الأدبي الحديث في كلية الآداب بجامعة "حلب" فأضاف: «لا تكتسب تجربة "محمود عبد الواحد" القصصية أهميتها في تجربة القص السورية من انحياز نصوصها إلى قيم الحقّ والخير 
تكبير الصورة
الكاتب "حسن م يوسف"
والجمال فحسب، بل أيضاً من كفاءة مبدعها العالية في بناء نص قصصي متمرد على تقاليد الكتابة القصصية من جهة، وخالص من لوثة استدعاء منجز الآخر غير العربي إلى معمار القصّ، التي طبعت معظم تجربة السبعينيات من جهة ثانية. لقد قدم "محمود عبد الواحد" في مجموعتيه القصصيتين إبداعاً دالاً على أنّ القيمة الباذخة للإبداع ليست بتواتره على مستوى الكمّ، بل بحفره عميقاً في ذاكرة المتلقّي، وعلى أثره في الوعي أيضاً. ومهما يكن من أمر فإن الإبداع القصصي السوري خسر برحيل "عبد الواحد"، إلى أجناس تأليفية أخرى، أحد أبرز قصاصي السبعينيات، فإنّ مجموعتيه كافيتان للقول: إنّ أيّ محاولة لتأريخ ذلك الإبداع ونقده لا يمكنها مغادرة نفسها قبل أن يكون لذلك الإبداع حضور مركزيّ فيها».

كما كان لنا لقاء مع الكاتب "حسن م يوسف" الذي قال: «في أواسط الثمانينيات عاد "محمود عبد الواحد" الى مدينته "دمشق" بعد أن درس السيناريو في معهد "فغيك" الروسي، ونظراً إلى أنه كاتب قصة موهوب ومتمكن فقد انتظر الوسط الثقافي منه أن يحدث خرقاً نوعياً في مجال كتابة السيناريو السينمائي والتلفزيوني، وقد كان أول مسلسل تلفزيوني يكتبه، "سكان الريح" يبشر بروح جديدة في الكتابة الدرامية السورية، إلا أن ضعف الإخراج وبؤس ظروف الإنتاج سرقا جذوة الألق من النص فمر المسلسل دون أن يحدث الضجة التي كان يستحقها، وقد جعلت هذه الصدمة القاسية "محمود عبد الواحد" ينكمش ويتجه إلى العمل الإداري والصحفي لفترة طويلة نسبياً، صحيح أن "محمود عبد الواحد" قد كتب سيناريوهات العديد من الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة، إلا أن الظروف لم تسمح له في أي من أعماله الدرامية أن يصل إلى مستوى الألق المدهش الذي حققه في كتابة القصة القصيرة، "محمود عبد الواحد" إنسان مبدع وصديق فذ، يتميز في كل ما يكتب ويقول ويفعل بالأصالة والتميز والصدق».

بقي أن نذكر أن الأستاذ "محمود" من مواليد مدينة "دمشق" عام /1952/، متزوج من الدكتورة 
تكبير الصورة
مع "نور الشريف" في لجنة تحكيم مهرجان "دمشق" السينمائي
"ريمة السيد حسن" وأب لابنة واحدة هي الدكتورة "لمى عبد الواحد".